الأستاذ هارون يحيى التّصميم الخاص لبناء الغلاف الجوّي ربما كان التنفس لبعض الناس هو أخذ الشهيق و إطلاق الزفير فحسب، ولكنّ الحقيقة أن هذه العملية مصممة حسب نظام خارق رائع جداً، فالتنفس لا يتطلب من الإنسان بذل أي جهد يذكر، وأغلب الناس بل ربما جميعهم لا يلقون بالاً لهذا الموضوع.
فالإنسان يبدأ بالتنفس من لحظة ولادته حتى مماته؛ لأن الظروف الخارجية أو الداخلية (داخل جسم الإنسان) جعلت لكي يتنفس الإنسان بأسهل صورة ممكنة.
وقبل كل شيء نودّ أن نوضح أنّ الغلاف الجوي يحتوي على نسب معينة من الغازات متوازنة فيما بينها، ويجب أن يستمر هذا التوازن حتى تتم عملية التنفس لدى الإنسان بشكل طبيعي، وأيّ تغيير مهما كان طفيفاً في هذا التوازن يؤدّي إلى نتائج خطيرة على حياة الإنسان وربما أدى إلى الموت. ولكن هذه التغييرات لا تحدث في العادة؛ لأنّ الغلاف الجوي مصمّم وفق بناء خاص جداً وملائم للحياة، وهو خليط خارق يؤدّي مهمّته على أكمل وجه.
فالغلاف الجوي للأرض يتألف من 77 % نيتروجين و 21 % أكسجين و 1 % ثاني أكسيد الكربون و غاز الأركون و غازات أخرى. ولنبدأ بالحديث عن أهم هذه الغازات وهو الأكسجين، فهذا الغاز مهم جداً؛ لأنّ الكائنات الحية تستخدمه في إنتاج الطاقة داخل أجسامها، ولهذا فهي في حاجة ماسّة إليه، و تتنفس للحصول عليه. أما نسبة الأكسجين الذي نتنفسه فهي ثابتة اعتماداً على موازين دقيقة للغاية.
ويتمّ تحقيق ثبات نسبة الأكسجين في الغلاف الجوي من خلال دورة كاملة في الطبيعة. فالإنسان والحيوانات في حالة استهلاك دائم لهذا الغاز، وفي حالة إنتاج دائم لغاز ثاني أكسيد الكربون الذي يُعَدُّ ساماً بالنسبة إليها.
أما النباتات فعلى العكس من ذلك، تقوم باستهلاك ثاني أكسيد الكربون، وبذلك تلعب دوراً خطيراً في استمرار الحياة. وتنتج النباتات مليارات الأطنان من غاز الأكسجين يومياً، ثم يطرح إلى الغلاف الجوي.
ولو كان الإنسان والنباتات والحيوانات يقومون بالفعاليات الحيوية نفسها لانعدمت الحياة على هذا الكوكب. ولنفترض أن النباتات والحيوانات تقوم بإنتاج الأكسجين، ففي هذه الحالة يكون الغلاف الجوي قابلاً للاشتعال في كل لحظة وبسرعة كبيرة، فشرارة صغيرة تكفي لاشتعال حرائق هائلة. و في النهاية سيتحول هذا الكوكب إلى شعلة من النار مصحوبة بانفجار هائل.
ولو افترضنا العكس، أي أن تنتج النباتات والحيوانات غاز ثاني أكسيد الكربون ففي تلك الحالة تقل نسبة الأكسجين في الغلاف الجوي بسرعة كبيرة، وتصاب جميع الكائنات بالاختناق لصعوبة التنفس و بالتالي ينتج عن ذلك الموت المحتم.
كل هذه الأدلة تشير إلى أنّ الغلاف الجوّي مخلوق من قبل الله سبحانه وتعالى وبصورة تجعله ملائماً لحياة الإنسان، أي إنّ الكون لم يوجد اعتباطاً، فكل شيء فيه خلق بإتقان و دقة بقدرة الله تعالى التي لا حد لها.