القاهرة ـ طهران: بورزو داراغاهي وجيفري فليشمان*
كانت الشرطة لطيفة ولكن حازمة في الوقت ذاته، عندما ألقت القبض على شاهين فيلاكات، وهو شاب مراهق نحيل البنية ذو شعر بني غير مهذب، ووجهت له الشرطة تهمة غناء كلمات تهدد النظام الإسلامي في الجمهورية الإسلامية الإيرانية. وبعد أن أمضى بضعة أيام في السجن، عاد مغني الراب البالغ من العمر 18 عاما إلى الأستوديو حتى ينضم من جديد إلى رفاقه في الفرقة الموسيقية.
يقول فيلاكات: «لدى السلطات وجهة نظر سلبية للغاية عن موسيقى الراب، فهم يقولون إن موسيقى الراب لها تأثير مفسد، فعندما تتفوه بكلمة راب، يظنون أنها تتعلق بالإدمان، وشخص بدون والديه جل ما يشغل باله الإدمان والجنس».
ومع كل يوم، تتجلى صعوبة أخرى أمام الفتيان والمرأة الوحيدة الذين يغنون أغاني الراب، حيث يعمدون جميعا إلى تقديم كلمات الأغاني الشعبية والإيقاعات التي سرعان ما أصبحت رائجة لدى الشباب في الشرق الأوسط.
في كل من طهران ولبنان والأردن، تسللت لغة موسيقى الراب الأميركية وثقافة الشوارع ووجدت لنفسها سبيلا في حياة شباب تلك البلاد. وقد نزع شباب الشرق الأوسط نحو دوي إيقاعات موسيقى الهيب هوب، إلا أنهم وفي الوقت ذاته أعادوا تشكيل موسيقى الراب من جديد لتتلاءم مع رغباتهم، وقرعوا أبواب روح التحدي في هذه الموسيقى للتعبير عن الغضب الكامن في قلوبهم إزاء مجتمعاتهم. وولدت الإيقاعات الموسيقية الإيرانية المعبرة عن الأرواح المكبوتة، والقسوة المنتشرة في الشوارع من الصعوبات الاقتصادية التي تتكبدها البلاد. أما أغاني الراب اللبنانية فتعكس العداء الدموي الطائفي في البلاد، أما الكلمات التي يتم التغني بها في فلسطين، فتعكس البؤس الكامن في معسكرات اللاجئين، والإذلال الذي يتعرضون له في نقاط التفتيش الإسرائيلية. فيما ترثي كلمات أغاني الراب في مصر حال تشرذم العالم العربي.
ويقول سفنكس، مغني الراب في فريق «أرابيان نايتس» (أو الفرسان العرب)، والذي نشأ في ويلمنغتون في ولاية كاليفورنيا، واسمه الحقيقي هشام محمد عابد: «الموضوع الرئيسي هو تحقيق الوحدة العربية، وأن نصبح دولة واحدة بدلا من الانقسام والخضوع». وتعتبر نغمات فريق «أرابيان نايتس» روحية وليست دينية، وتحمل في مضمونها رسالة ترغب في توصيلها، لكنها ليس بالرسالة الدينية. وهي موسيقى راب وليست من ذلك النوع الذي يصاحبه دائما المخدرات وتظهر فيها امرأة نصف عارية، بل إنها تتعلق بفتيان مندفعين يكمن تحديهم في التقاليد والأعراف التي يعيشونها.
وسعياً إلى ربط هذه الموسيقى بجمهور الشرق الأوسط، فغالباً ما تدمج موسيقى الهيب هوب العربية والفارسية نغمات وطنين الإيقاعات الغربية مع الإيقاعات الشرقية المميزة، وتؤكد على خلفية الغناء الإيقاعي المثير للعاطفة في موسيقى البوب الفارسية. ويجرب مقدمو الأغاني مقتطعات فيديو مصورة تضم الأبواق التقليدية والآلات الوترية مثل العود بالإضافة إلى الغيتار الكهربائي، وسانتيسيزور ـ وهو جهاز مثل الأورغ يعمل على تكوين الأصوات الغنائية. ويقول فيلاكات: «نحاول قدر استطاعتنا عزف موسيقى الراب بالتناغم مع الإيقاعات الإيرانية».
وكما يتجه الشباب في أميركا إلى التنفيس عن غضبهم الحبيس، وإحباطهم، ووحشية أميركا الحضرية عبر موسيقى الهيب هوب ورسوم الغرافيتي (الرسم والنقش على الحوائط العامة)، اتجه مغنو الراب في الشرق الأوسط إلى تأليف أغاني شديدة لتكوين قصائد غنائية مثيرة وغاضبة عن انتشار الظلم، وتفشي الفقر، والعنف. وتقول لين فتوح «إننا نناضل»، وتُعرف باسم مليكة، وهي نجمة راب لبنانية تبلغ من العمر 23 عاماً، وتعتبر من أشهر الفنانات في عالم الراب العربي. وأضافت: «إننا نعيش حياة عصيبة للغاية، فنحن نشهد حرباً، ونقاسي جوعاً. إننا نعيش في دول لا تتقيد حتى بحقوق الإنسان. إن كل ما يحيطنا من ألم ومعاناة يدفعنا إلى التعبير عن أنفسنا».
وانصرفت كل الأعين نحو مليكة وهي تضرب أرض المسرح، وحركاتها العنيفة على المسرح، وتمايلها للأمام والخلف، ومسكتها الشديدة للمايكروفون وهي تغني قائلة: أتحدث إليك امرأة لامرأة حان وقت المواجهة حان وقت التخطيط فلتصرخي من أجل الحرية...
لقد قرر الرجال التحكم في حياتك وقدرك لا تعيشي في يأس فلتخرجي وتعملي وتجني مالك بنفسك فلتمضي معي في هذا الطريق تقول لين: «على خشبة المسرح، لا أدري ما الذي يحدث، فكل ما أفعله الحركة بعنف، حينها أستطيع إخراج كل ضيقي وغضبي. إن هذا جزء مني، فالغضب جزء مني. كما أتمكن أيضاً من الحديث عن السياسة، والاقتصاد، والحياة الاجتماعية، والدين، فأنا أتحدث عن ذاتي، وما أراه في الطرقات. وهذه وجهة نظر فتاة لبنانية تعيش في الشرق الأوسط».
ويوجه الكبت النفسي والغضب قدراً كبيراً من هذه الموسيقى، وينوه مغنو الراب في الشرق الأوسط إلى تأثير بعض المغنين الأجانب عليهم مثل إمينيم، والمغني الراحل توباك شكور، وهما فنان فجرا ينابيع الأسى والحزن الشخصي، وكانا دافعاً للإلهام.
ويقول فلاكيت، وهو أحد مغني الراب الإيرانيين الناشئين: «تتمتع أغنياتي بموضوعات مختلفة بدءاً بالحب، ومروراً بالمخدرات وحتى قضايا الشوارع، والقضايا الاجتماعية. وأحاول في كل شيء أكتبه أن أدمج فيه ملامح من حياتي. ومع ذلك يبدو ذلك فارغاً».
ويبدو سوروش لاشكري ـ أكثر مغني الهيب هوب الإيرانيين شهرة ـ صادقاً لدى غنائه، ويتلاشى غضبه الصبياني. ويبدأ في التمايل مع الأنغام، في الوقت الذي تتردد فيه الإيقاعات الموسيقية عبر الغرفة، ويبدأ في غناء:
هذه طهران هذه المدينة التي يغضبك فيها كل ما يقع عليه ناظراك وتشعرك باشمئزاز مثل سلة المهملات وأنت أيضاً، أنت لست بإنسان، لقد كنت حثالة إن الجميع هنا مثل الذئاب، فهل تحب أن تكون حملا؟
فلتدعني أفتح لك ناظريك وأذنيك قليلا ورغم أن القيود المفروضة على أغاني الهيب هوب هي الأشد صرامة في إيران، إلا أن مغني الراب يقاسون ويمضون أوقاتاً عصيبة في باقي دول الشرق الوسط أيضاً. ففريق أرابيان نايتس المصري يتوجب عليهم أن يكونوا شديدي الحرص إذا ما أرادوا الحديث عن الرئيس المصري حسني مبارك. ويجب على المجموعة أن تسلم ألبوماتها الموسيقية إلى أجهزة الرقابة التابعة للدولة، وإذا طال قلم الرقيب الأحمر الشريط الغنائي بشدة، تكون الخطة البديلة أمام الفريق إما إصداره في دبي أو في أوروبا.
ورغم أن مغني الراب المصريين لا يسمون أفراداً بعينهم في أغانيهم، إلا أنهم لا يخفون شعورهم بالاشمئزاز، ففي أغنية «ليس سجينك»، تغني الفرقة:
سيدي السياسي، لدي سؤال صغير كيف لك أن تأكل، وشعبك جوعان؟
وحتى في لبنان الذي ينعم بحرية، يحجم المراقبون على الفنانين أنفسهم عن بعض كلمات الأغاني التي قد تبدو نزاعة إلى إثارة الغضب للغاية، أو شديدة الوضوح. وقد قررت مليكة ـ والتي غنت أغنية «الثورة تجري في دمي» ـ عدم تسجيل أغنية كتبتها تنتقد فيها بشدة المسلحين لدى تفشي العنف الطائفي العام الماضي. وتقول كلمات الأغنية: «من يطلق النار على من؟ من الأبرياء؟ لقد أثار الخونة هذا الموقف، ويجب أن يكفوا عن تمويل (الحرب)، وعن توزيع الأسلحة، وعن الذبح.. جماعة تلو الأخرى. بيروت تحترق ببطء».
ومن الصعوبات التي يقاسيها مغنو الراب في الشرق الأوسط، أنهم يجب أن يكيفوا موسيقاهم مع الثقافات التقليدية والأسر المحافظة. ففي البداية، غطت مليكة وجهها أثناء الغناء، خشية أن يدرك والداها أنها مغنية، وهي المهنة التي عادة ما يتم وصف ممتهنتها بالبغاء في الشرق الأوسط.
كما انتقل الكثير من أفضل مغني الراب إلى الخارج، لا سيما هؤلاء المنحدرين من الأراضي الفلسطينية. وغالباً ما يؤلف مغنو الراب في الشرق الأوسط إيقاعات خفيفة عن الاحتفالات العائلية، ويرتدون ملابس دولتشي آند غابانا (بيت أزياء إيطالي شهير)، وأحياناً ما يغنون أغنيات تخص أفضل مغني راب في المدينة، إلا أنهم يعودون أدراجهم مرة أخرى إلى الموضوعات المتعلقة بالحرب، والفقر، والقمع، وذلك على أساس أنهم تجرعوا تلك الأوجاع قليلا أيضاً.
وتقول مليكة: «إننا لا نقوم بذلك كما تفعله أي ثقافة أخرى، فنحن لا نفعله كما يفعلونه في الولايات المتحدة أو فرنسا، فعندما نغني الراب نفعل ذلك بلغتنا وثقافتنا».