الرباط- "الغربي كايركع والعربي تابعو كيف الضبع.. لِرب اسجد واركع هذا العالم وَلَّا يخلع.. داك الشي ما فيه أنفع.. عيني منهم تدمع".. كلمات صاغها صاحبها ابن الـ16 ربيعا ناسجا إياها مع أحد ألحان موسيقى الـ"راب" التي اشتهر بها، معربا من خلال أحدث أغنياته عن استهجانه لظاهرة "عبدة الشيطان" التي انتشرت بين نظرائه من الشباب المغربي مؤخرا.
مطرب الـ"راب" المغربي "معاذ جبار" الشهير بـ"Mido 48"، والذي تابع دراسته الثانوية بمدينة وجدة (شرق) اختار لأغنيته لغة عامية شبابية، وكلمات معبرة ومؤثرة بخلاف التقليد الغربي في تلك النوعية من الأغاني، وصدرها بتمهيد يعرف بمعنى "عبادة الشيطان"، وموقف الشرع منها، مشددا على ضرورة التوبة إلى الله ورجاء هدايته للمتأثرين بهذه الموجة.
ويقول معاذ في أغنيته: "عبدة الشياطين في جهنم سيحشرون.. هذه ما فيها شك.."؛ لأن ذلك السلوك هو نتاج "عقل البعير"، وتابع مستنكرا "شوف فين وصل التفكير؟!".
وبلغة تمزج بين العربية والفرنسية، اعتبرت الأغنية هذه الموجة مجرد "خزعبلات" تنبئ عن غياب الأخلاق الحميدة والأيام السعيدة، وتسعى إلى التشبه بالصعاليك والخرفان".
وتعجب معاذ لإقدام البعض على "عبادة الشيطان"؛ حيث "تركوا الخير الباين (الواضح) واتجهوا إلى الشر الخالي (الفارغ المضر)"؛ مما أوصل بعضهم إلى الكفر بالله تعالى، بحسب الأغنية.
واستهجن ما رآه من تقليد أعمى من العرب والمسلمين للعالم الغربي قائلا في أغنيته: "الغربي كايركع (لا يعرف ما يفعل) والعربي تابعو كيف الضبع (أي يقلده في كل شيء).. لِرب اسجد واركع هذا العالم وَلَّا يخلع (أسجد لله فإن العالم أصبح مخيفا)"، محذرا من التقليد الأعمى المؤدي إلى انحرافات عقدية وسلوكية "داك الشي ما فيه أنفع (لا نفع من تلك الانحرافات).. عيني منهم تدمع (أي تدمع العين على حال عبدة الشيطان)".
شاربو الدماء
ولفت معاذ في أغنيته إلى بعض العادات المنكرة لـ"عبدة الشيطان" مثل "ممارسة شرب الدم والرقص واعتبار ذلك ديانة"، وتساءل: "هل هؤلاء أكثر ذكاء من باقي البشر؟!"، ودعا إلى محاولة إيجاد "لهذا المرض شي دواء" أي علاج لهذه الظاهرة؛ لأنه "يريد الخير لأمته والوصول بها إلى القمة".
ورفض التوجه إلى الخالق بالشكوى عند وقوع أي طارئ؛ لأن "الشكوى للعبد شفاية (عار)"، داعيا المستمع لأغنيته إلى رفع أكفه بالضراعة إلى الله لـ"إنزال الرحمة وتماسك الأمة وذهاب الظلمة"، مطالبا بتقديم ملاحظات حول عمله الفني، ملتمسا "الهداية" لنفسه وللمغترين بهذا التكتيك الجديد (عبادة الشيطان) قبل فوات الأوان".
وفي تقديم موقع "وجدة" الإلكتروني لأغنية معاذ الجديدة قال: "كثيرا ما نشعر بالتقزز من حركات بعض الشباب، واللون الغنائي الذي يستمعون إليه، ومحاولة تشبههم بشباب الغرب، لكن من داخل هذه الفئة الشبابية يظهر شاب بارع في الموسيقى والأداء، ويؤدي كلمات بدلالات يمكن أن تؤثر في صفوف الشباب إيجابيا أكثر من مقال وخطبة، فهنيئا لوجدة بـميدو 48، ومزيدا من التوفيق والتألق له".
وولد معاذ بمدينة وجدة في 6-9- 1993، وبدأ مسيرته في الـ"راب" في سن الـ15 سنة بألبوم بعنوان: "أول واحد: "First One"، ويحمل ميولا سياسية وإسلامية واجتماعية، حسب تعريفه على موقعه بالإنترنت.
وعاش معاذ طفولته وشبابه بحي سيدي يحيى "المستقبل" بمدينة وجدة؛ حيث تأثر منذ سن الـ12 بموسيقى الـ"راب" الجزائري، خاصة موسيقى "لطفي قانون"، ويطمح إلى "إحداث ثورة فنية تغير الأجواء السلبية المرتبطة بالفن في المغرب".
سجال سياسي
وبدا حديث الإعلام بقوة في المغرب عما يسمى بـ"عبدة الشياطين" حين وقعت حادثة اعتقال شباب بمدينة أصيلة (شمال) في حفل موسيقي ماجن عام 2003؛ حيث تمت محاكمتهم وأفرج عن بعضهم بضغوط جهات علمانية اعتبرت أن محاكمتهم "ضد حرية التعبير ومعاداة للفن".
وكانت محكمة الاستئناف في الدار البيضاء قد قضت في 5 أبريل 2003 بتبرئة 11 شابا من بين 14 متهما في قضية "عبدة الشيطان"، وقررت المحكمة تخفيض الحكم الابتدائي من سنة حبسا نافذا إلى 45 يوما في حق المتهمين الثلاثة الآخرين، مع إلغاء قرار ترحيل متهم مصري من المغرب.
وجاءت تبرئة المتورطين بعد أحكام أصدرتها المحكمة الابتدائية بالدار البيضاء آنفا بتاريخ 6 مارس من السنة نفسها في حق الشبان الـ14 تراوحت بين شهر واحد وسنة واحدة حبسا نافذا، مع أداء كل منهم لغرامة تتراوح بين 500 درهم وثلاثة آلاف درهم.
وتجدد الحديث الإعلامي عن الموضوع بإشاعة وجود فتيات بلباس أسود وحركات ملتبسة في ثانوية بمدينة القنيطرة (غرب)، مما جعل الهيئة العلمية المحلية تزور الثانوية للتأكد من الأمر؛ حيث أكدت عدم صحته.
وسبق لوسائل إعلام محلية أن كشفت النقاب عن إقامة شواذ أوروبيين وعناصر من "عبدة الشيطان" حفلا صاخبا على شاطئ "سيدي مغايت" على بعد 12 كم جنوب مدينة أصيلا تحت غطاء "مهرجان الموسيقى - أنغام السلام" في دورته الثانية ما بين 17 و22 أغسطس 2006.
أصل الحركة "الشيطانية"
وتعود بداية فكرة "عبادة الشيطان" للقرن الـ19 الميلادي، على يد ساحر إنجليزي يدعى "أليستر كراولي" كان مهتما بالظواهر والعبادات الغريبة، وتطور هذا المذهب الشاذ على يد "أنتون ساندور ليفي" سنة 1966، وهو يهودي الأصل أمريكي الجنسية؛ حيث زعم أن الله "قد ظلم إبليس، الذي يرمز للقوة"، تعالى الله عن ذلك علوا كبير.
ونقلت مصادر إعلامية عن "أنتون" إنكاره للأديان جميعا، فالشيطان بنظره يمثل "الانغماس الذاتي، وإطلاق المرء العنان لأهوائه ورغباته وشهواته بدلا من الامتناع عنها".
وفي 30 أبريل من عام 1966 قام "أنتون" الذي كان موسيقيا وممثلا ومحبا للخوارق الطبيعية بإنشاء كنيسة الشيطان في سان فرانسيسكو، ومن أشهر كتبه: "الإنجيل الشيطاني"، و"الطقوس الشيطانية".